تعتبر الحوكمة بمفهوم بسيط مجموعة من القواعد لقيادة الشركات وإدارة مركز قرارها، وتنظيم الآليات والإجراءات لكيفية اتخاذ القرارات الصحيحة المراعية في الشكل النظامي، والفهم الموضوعي، وتشتمل الحوكمة على: كيفية تنظيم العلاقات المختلفة بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والمساهمين وأصحاب المصالح، وتفعيل دور المساهمين في الشركة وتيسير ممارسة حقوقهم، وتفعيل دور مجلس الإدارة واللجان المنبثقة منه ولجان الشركة وتطوير كفايتها، وتحديد ضوابط تشكيل مجالس إداراتها والترشح لعضويتها بما في ذلك وضع قواعد وإجراءات خاصة لتسهيل عملية اتخاذ القرارات وإضفاء طابع الشفافية والمصداقية عليها بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح وتحقيق التنافسية والشفافية في السوق وبيئة الأعمال، وقواعد وإجراءات خاصة لحوكمة الجمعيات العامة وبيان اختصاصاتها.
أثر الحوكمة على خسائر الشركات وإفلاسها
بقلم أنس عبدالله المزروع
ودائماً ما يَرد ذكر الحوكمة وأهميتها في سياق تعليمي أو تنظيري دون ذكر أمثلة وتطبيقات واقعية، ولأن الشركات المدرجة في أسواق المال ملزمة بالإفصاح او الإعلان بكل شفافية، فإننا سننقل بعض التطبيقات الواقعية من إعلانات الشركات وأثرها.
- أعلنت إحدى شركات التأمين التعاوني المدرجة في سوق المال عن استقالة أحد أعضاء مجلس إدارتها، وسبب الاستقالة (لما يراه من ضعف تطبيق ممارسات الحوكمة الفعالة وغياب استراتيجية واضحة للشركة)، كما أعلنت الشركة نفسها عن إستلامها في يوم الإربعاء 20-08-1446هـ الموافق 19-02-2025م خطاب من هيئة التأمين بخصوص إيقاف بيع منتج التأمين الإلزامي على المركبات اعتباراً من تاريخ 19-02-2025م، وذلك لمخالفة التعليمات الإشرافية والرقابية وقصور مجلس الإدارة في تنفيذ إجراءات الحوكمة الفعّالة. وتتوقع الشركة أن يكون للقرار تأثيراً سلبياً على نتائجها المالية خلال العام 2025م، ولا يمكن قياس اثره في الوقت الراهن، هذا وسيتم الإعلان عن اي تطور في الموضوع في حينه)
وهو الأمر الذي أثر بشكل مباشرة على قيمة السهم وربحيتها وقيمتها السوقية، فضلا عما يُشكله إيقاف منتج التأمين الإلزامي على المركبات من أثر مباشرة على الإيرادات السنوية للشركة.
- كما سبق لشركة مدرجة في تاسي في 4/2/2021م عن استقالة وتعيين عضو لجنة المراجعة وكان السبب المنشور (الالتزام بالإيضاحات الواردة للشركة بشأن المادة 54 فقرة (أ) من لائحة الحوكمة والتي تتطلب مشاركة عضو مجلس إدارة مستقل في لجنة المراجعة).
- وفي الربع الثالث من عام 2024م أعلنت هيئة السوق المالية صدور قرار لجنة الاستئناف في الفصل في منازعات الأوراق المالية القطعي ضد 14 شخصاً من أعضاء مجلس إدارة ومنسوبي شركة مدرجة في سوق الأسهم ، ومن بينهم رئيس مجلس الإدارة. بسبب الإدانة بمخالفة الفقرة (أ) من المادة 49 والفقرة (أ) من المادة 50 من نظام السوق المالية، والفقرة (أ) من المادة 6 من لائحة سلوكيات السوق، وإلزامهم مجتمعين بدفع أكثر من 77 مليون ريال نظير الخسائر المتجنبة، وتغريمهم 50.6 مليون ريال.
وشهد الفترة نفسها إعلانات في هذه الشركة عن استقالات رئيس مجلس الإدارة ثم رئيس وأعضاء لجان المراجعة
إن ما ذكر أعلاه ،هو مثال من إعلانات الشركات، دون البحث في أسباب افلاس الشركات، ولا السوابق القضائية في النزاعات الواقعة في المحاكم التجارية بين الشركاء، كما لم يكن المقصد فيه سياق تحليل مالي، وإنما هي نظرة قانونية اقتصادية توضيحية لبيان أثر الحوكمة الفعلية على ربحية الشركات، واستدامتها، أو كحد أدنى بيان أثر ذلك على تسرب الكفاءات واستقالاتها بسبب ضعف الحوكمة.
إن الوقائع تؤكد أن الحوكمة ليست مجرد متطلبات قانونية، أو نماذج مستندية، وليست خيار، بل هي ضرورة لضمان الاستدامة والنجاح المؤسساتي، وهي استثمار في مستقبل الشركة، وجاذبية للاستثمار في الشركات المحوكمة، وآلية لصناعة مركز القرار فيها، وربحية الشركات والمدرجة على وجه الخصوص تقوم عليها، وضدها عدم الاستدامة، وتضارب مصالح الشركاء، وغياب في الرقابة الداخلية، والدخول في خسائر مباشرة أو غير مباشرة لربحية الشركة أو قيمتها السوقية أو فقد لثقتها مع عملائها، فضلا عمّا قد تؤول إليه عدم الحوكمة إلى إفلاس الشركات أو تصفيتها أو التعويضات التي تصدر من لجان الفصل في نزاعات الأوراق المالية.